في الاولويات

في الأولويات

قال ابن المقفع في الأدب الكبير

لا تتركن مباشرة جسيم أمرك، فيعود شأنك صغيراً، ولا تلزمن نفسك مباشرة الصغير، فيصير الكبير ضائعا.

وأعلم أن مالك لا يغني الناس كلهم، فأخصص به أهل الحق، وأن كرامتك لا تطيق العامة كلها، فتوخ بها أهل الفضل، وأن قلبك لا يتسع لكل شيء ففرغه للمهم ..

وأعلم أن ليلك ونهارك لا يستوعبان حاجاتك “وإن دأبت فيهما”، وأن ليس لك إلى إدامة الدأب فيهما سبيل مع حاجة جسدك إلى نصيبه منهما، فأحسن قسمتهما بين عملك، ودعتك.

قانون الحقل

قانون الحقل

بقلم الدكتور هـلال خـزاري
 

 

يقدم ستيفن كوفي “قانون الحقل” في أحد كتبه، قائلاً: “يجب أن نعمل به، ونعلمه للناس ليعملوا به”، وخروجه بهذا القانون إلى بني جنسه من بني الإنسان أجده شبيهاً بحكمة، ومقولة نملة سليمان عندما استشعرت الخطر على بني جنسها فحذرتهم ناصحة ولم تكن أنانية فتنجو بنفسها وتترك إخوانها من النمل يهلكوا تحت أرجل جيش سليمان عليه السلام، فقالت لهم كما عبر تعالى: (قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون).


فكذلك هذا الرجل يخرج بهذا القانون للبشرية ولبني جنسه، وخلاصة “قانون الحقل” باختصار، عائد إلى الحقل الزراعي المعروف (الحقل أو المزرعة)، وعلاقته بحياتنا أنه ينبغي علينا أن نأخذ أعمالنا المنوطة بنا في الحياة بدون عجلة أو استعجال فلا نتعجل في أمورنا فنتسرع في إصدار الأحكام، أو إنهاء الأعمال قبل أن نستكمل كل خطواتها، ودون درجة إتقانها، فمن تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.


فإن الحقل يحتاج إلى تهيئة الأرض وتقليبها لتتجدد بها المواد المعدنية، ثم تبذر بالبذور، ثم تحرث الأرض، وتسقى، ثم تنقى منها الحشائش، وتمر الشهور والفصول من الخريف إلى الربيع، فينمو الزرع، ويستوي على سوقه، ثم يثمر، ثم يحصد في بداية الصيف في شهر جوان أو جويلية، هذا القانون يدل على أنه ينبغي أن نعمل به في الكثير من قضايانا في الحياة، فلا نستعجل في أعمالنا استعجالا قبل اكتمالها، وينبغي علينا أن ننجزها خلال الزمن، وأن تنضج الأفكار والقرارات، وأن تؤدى الأعمال خلال الزمن.


إن هذا القانون يذكرنا بالكثير من الناس الذين تركوا مشاريعهم وأعمالهم وتخلوا عنها بعد أن مشوا فيها خطوات، وقطعوا فيها مراحل، وأنفقوا فيها وقتاً ومالاً وجهداً، ولكنهم لم يصبروا حتى النهاية، صبر الفلاح حتى يجني حقله، فلنا فيه درس، فهو يزرع حقله متوكلاً على الله صابراً مع الزمن، لا يقلق ويؤدي ما عليه تجاه حقله من رعاية وتهيئة. وإن كثيراً من الناس يريدون استعجال الأمور فيسأم وينقطع، وما علم أنه لو صبر، أن بينه وبين قطف الثمار خطوة، ولكنه لعدم علمه لا يصبر حتى النهاية، فيجني على نفسه مرارة الانهزام وعدم نيل المطلوب، ويعود بتجربة سلبية خائبة تؤثر سلباً في إنجازاته المستقبلية.


لذا فاعمل من اليوم بقانون الحقل وطبقه فعلاً في العديد من المواقف في حياتك.


-ومن النماذج على الاستعجال طالبة كان عندها رسوب في مواد وهي معيدة للسنة الثالثة جامعي، لكنها تستغفل بعض الأساتذة ولعدم إجبارية الحضور في المحاضرات تدخل مع طلاب السنة الرابعة ونظراً لتأخر خروج نتائج الامتحان الجزئي الأول وعدم تعلق المداولات النهائية بها شاركت أيضاً في بعض المواد وعندما اتضح أمرها تقع في الحرج لأنها معيدة ولم تدخل موادها الأصلية في السنة الثالثة طمعاً في مخادعة الكل فتقرر اللجنة التأديبية بإجماع حرمانها نهائياً لأن القوانين لا تسمح بمعاودة السنة مرتين، ومن استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه وضاع جهدها، ولو كانت حكيمة لما فعلت ما فعلت، وهكذا لم تصبر فحرمت النتيجة والصبر نصف الإيمان، صبر على العمل حتى النهاية.


طالب آخر يقدم خطة لبحث علمي ثم تشاء الأقدار أن يصرح ببعض العبارات وتشم منه رائحة أن البحث ربما يكون مكتوباً فيه وعند التحري ينكر وعند التحري أكثر يقر ويحضر الكتاب وتحكم اللجنة العلمية بعد تقارير مفصلة دقيقة من خبراء أن الموضوع يكاد يكون تكراراً للمكتوب المعاد وأن الخطة تكاد تكون صورة طبق الأصل لفهرس الكتاب حينها تقرر اللجنة رفض تسجيله للموضوع بل ربما من صلاحياتها حرمانه من مواصلة الدراسة أصلاً. إنك تستطيع خداع بعض الناس، بعض الوقت، ولكن لا تستطيع خداع كل الناس، كل الوقت.


لذا فاعمل من اليوم بقانون الحقل وللحديث بقية مهمة نستكملها في عدد قادم إن شاء الله وإلى ذلك الحين أرجو أن تكونوا قد طبقتم فعلاً قانون الحقل في العديد من مواقف الحياة.

اترك غيرك يتوسع……تتوسع

تنمية الموارد البشرية
اترك غيرك يتوسع…. تتوسع

بقلم الدكتور هـلال خـزاري
 

هذا مبدأ غربي عثرت عليه في إحدى قراءاتي وربما يكون له تأصيل شرعي من عدة زوايا: أنفق ينفق عليك، أنفق يعوضك الله، كل شيء إذا أعطي منه نقص إلا العلم، فبقدر ما تعطى بقدر ما يزكو ما عندك وينمو ويزيد.هذا المبدأ يصلح للتطبيق في مناحي كثيرة في الحياة، وأكتفي هنا بنقل تجربتي الخاصة مع هذا المبدأ، لقد كان أصغر أبنائي سنة 1999عندما بدأ في التعامل مع العالم الخارجي، فبدأ في الكلام، ولصغره كان يقلد الكبار ويريد أن يفتح الكمبيوتر ويغلقه بقوة، وكانت أمه تحاول منعه حتى لا يخرب الجهاز، فقلت لها جهاز الكمبيوتر مثل جهاز التلفزيون فلا أحد يشفق على التلفزيون ويوليه كبير اهتمام، وإنما يفتحه الكل ويغلقه الكل، مثله في ذلك مثل الثلاجة. فكذلك جهاز الكمبيوتر ينبغي أن لا يقدس، وينبغي أن يستهلك بالاستعمال لأن الغربيين جعلوا سعره يتناقص وينزل مع مرور الزمن، ومن المفترض أن يكون قد استهلك واستعمل بأقصى وجوه الاستعمال، وأستفيد منه بأقصى ما يمكن، وهو مصمم بأن يعمل على مدار الأربع والعشرين ساعة، فيه مبرد (مروحة). وأتذكر أنني يوماً كنت محتاجاً إلى العمل عليه فبقي حوالي48 ساعة متواصلة لم يطفأ، فهو يتحمل خاصة إذا كان من نوعية جيدة.

ونعود لموضوعنا الأصلي وهو “أترك غيرك يتوسع يتوسع” وما علاقته بهذا الكلام؟ المهم قلت لأمه لا فائدة من نهر الولد ولكن بتعليمه بتؤدة كيف يفتح؟ وكيف يغلق الجهاز؟ ولم يستغرق تعليمه وتدريبه مني على ذلك بطريقة صحيحة سوى دقيقتين أو ثلاث دقائق على صغر سنه، فوعاها وطبقها منذ ذلك الوقت وإلى اليوم، فما الفائدة من هذا التدريب وترك الغير يتوسع؟؟؟

لقد استفدت منه أنني عندما أكون متعبا أو مسترخياً في السرير أو مشغولاً في عمل آخر ولا أريد الرجوع إلى الكمبيوتر أن أطلب منه أن يغلقه فيغلقه وكلي اطمئنان.

فما أحوجنا لهذه الثقافة! ولقد جربت ذلك في مسائل عدة أخرى في أسرتي وطلابي ومن هم تحت رعايتي ممن عملت معهم، ورأيت نفع ذلك. فعلم غيرك بصبر عليهم، سواء أكانوا أبناءك أو طلابك أو عمالك وموظفيك فستسترح، وتكون مأجوراً ناشراً للعلم والتدريب.

وهناك قانون آخر يحكم الحياة وهو قانون الانتشار والردة وهو أن ما تقدمه وتعطيه ينتشر ويعود مرتداً إليك سواء من نفس الشخص، أو من طرف شخص آخر فكما تدين تدان. فلا تزرع ولا تنشر سوى الخير، فالكرة تضربها إلى الجدار، ترتد وتعود إليك، والحجر إذا رميته في الماء فيحدث أمواجا تظل تتوسع وتبتعد ثم تعود إلى الأصل الذي انطلقت منه. والكلمة الطيبة تقولها فيعود إليك مثلها، والكلمة الأخرى المضادة “الغير طيبة” أيضاً نفس الشيء، كما قال صلى الله عليه وسلم: إن من الكبائر أن يسب الرجل والديه! قال الصحابة أويسب الرجل والديه يا رسول الله قال نعم: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب الرجل أم الرجل فيسب أمه. فيكون الساب بذلك هو المتسبب في سب أمه وأبيه، وكأنما هو الذي سبهما وذلك عندما سب أم الآخر فيرد عليه بسب أمه، فالجزاء من جنس العمل.

فإذا كان الأمر كذلك لا نرسل للعالم الخارجي إلا الشيء الإيجابي حتى يعود إلينا ونؤجر عليه.

وهذا قانون كبير يحكم الحياة. الكثير من الناس عنه غافلون.