قانون الحقل
بقلم الدكتور هـلال خـزاري
يقدم ستيفن كوفي “قانون الحقل” في أحد كتبه، قائلاً: “يجب أن نعمل به، ونعلمه للناس ليعملوا به”، وخروجه بهذا القانون إلى بني جنسه من بني الإنسان أجده شبيهاً بحكمة، ومقولة نملة سليمان عندما استشعرت الخطر على بني جنسها فحذرتهم ناصحة ولم تكن أنانية فتنجو بنفسها وتترك إخوانها من النمل يهلكوا تحت أرجل جيش سليمان عليه السلام، فقالت لهم كما عبر تعالى: (قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون).
فكذلك هذا الرجل يخرج بهذا القانون للبشرية ولبني جنسه، وخلاصة “قانون الحقل” باختصار، عائد إلى الحقل الزراعي المعروف (الحقل أو المزرعة)، وعلاقته بحياتنا أنه ينبغي علينا أن نأخذ أعمالنا المنوطة بنا في الحياة بدون عجلة أو استعجال فلا نتعجل في أمورنا فنتسرع في إصدار الأحكام، أو إنهاء الأعمال قبل أن نستكمل كل خطواتها، ودون درجة إتقانها، فمن تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.
فإن الحقل يحتاج إلى تهيئة الأرض وتقليبها لتتجدد بها المواد المعدنية، ثم تبذر بالبذور، ثم تحرث الأرض، وتسقى، ثم تنقى منها الحشائش، وتمر الشهور والفصول من الخريف إلى الربيع، فينمو الزرع، ويستوي على سوقه، ثم يثمر، ثم يحصد في بداية الصيف في شهر جوان أو جويلية، هذا القانون يدل على أنه ينبغي أن نعمل به في الكثير من قضايانا في الحياة، فلا نستعجل في أعمالنا استعجالا قبل اكتمالها، وينبغي علينا أن ننجزها خلال الزمن، وأن تنضج الأفكار والقرارات، وأن تؤدى الأعمال خلال الزمن.
إن هذا القانون يذكرنا بالكثير من الناس الذين تركوا مشاريعهم وأعمالهم وتخلوا عنها بعد أن مشوا فيها خطوات، وقطعوا فيها مراحل، وأنفقوا فيها وقتاً ومالاً وجهداً، ولكنهم لم يصبروا حتى النهاية، صبر الفلاح حتى يجني حقله، فلنا فيه درس، فهو يزرع حقله متوكلاً على الله صابراً مع الزمن، لا يقلق ويؤدي ما عليه تجاه حقله من رعاية وتهيئة. وإن كثيراً من الناس يريدون استعجال الأمور فيسأم وينقطع، وما علم أنه لو صبر، أن بينه وبين قطف الثمار خطوة، ولكنه لعدم علمه لا يصبر حتى النهاية، فيجني على نفسه مرارة الانهزام وعدم نيل المطلوب، ويعود بتجربة سلبية خائبة تؤثر سلباً في إنجازاته المستقبلية.
لذا فاعمل من اليوم بقانون الحقل وطبقه فعلاً في العديد من المواقف في حياتك.
-ومن النماذج على الاستعجال طالبة كان عندها رسوب في مواد وهي معيدة للسنة الثالثة جامعي، لكنها تستغفل بعض الأساتذة ولعدم إجبارية الحضور في المحاضرات تدخل مع طلاب السنة الرابعة ونظراً لتأخر خروج نتائج الامتحان الجزئي الأول وعدم تعلق المداولات النهائية بها شاركت أيضاً في بعض المواد وعندما اتضح أمرها تقع في الحرج لأنها معيدة ولم تدخل موادها الأصلية في السنة الثالثة طمعاً في مخادعة الكل فتقرر اللجنة التأديبية بإجماع حرمانها نهائياً لأن القوانين لا تسمح بمعاودة السنة مرتين، ومن استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه وضاع جهدها، ولو كانت حكيمة لما فعلت ما فعلت، وهكذا لم تصبر فحرمت النتيجة والصبر نصف الإيمان، صبر على العمل حتى النهاية.
طالب آخر يقدم خطة لبحث علمي ثم تشاء الأقدار أن يصرح ببعض العبارات وتشم منه رائحة أن البحث ربما يكون مكتوباً فيه وعند التحري ينكر وعند التحري أكثر يقر ويحضر الكتاب وتحكم اللجنة العلمية بعد تقارير مفصلة دقيقة من خبراء أن الموضوع يكاد يكون تكراراً للمكتوب المعاد وأن الخطة تكاد تكون صورة طبق الأصل لفهرس الكتاب حينها تقرر اللجنة رفض تسجيله للموضوع بل ربما من صلاحياتها حرمانه من مواصلة الدراسة أصلاً. إنك تستطيع خداع بعض الناس، بعض الوقت، ولكن لا تستطيع خداع كل الناس، كل الوقت.
لذا فاعمل من اليوم بقانون الحقل وللحديث بقية مهمة نستكملها في عدد قادم إن شاء الله وإلى ذلك الحين أرجو أن تكونوا قد طبقتم فعلاً قانون الحقل في العديد من مواقف الحياة.